سوريا الثورة

هذه محاولة متواضعة مني لإعادة قراءة مشهد الثورة السورية: سأسلّم بأن الثورة بدأت عفويّة نتيجة لجريمة وحشية قام بها النظام في درعا. وحشية هذا النظام لم يجرّبها أحد كما جرّبها الشعبين السوري بشكل خاص و اللبناني بشكل عام. قام النظام و بشكل \طبيعي جدا و غير مستغرب\ بالرد بشكل وحشي على المظاهرات. كبرت القصة، أصرّ الناس على المظاهرات السلمية فأصرّ النظام على التعامل بوحشية معهم. بدا واضحا مع مرور الوقت أنه من المستحيل الاستمرار في مواجهة النظام الوحشي بالصدور العارية، لأن ذلك من شأنه أن يودي الشعب الثائر برمّته إلى الهلاك أو الفناء. كان أمام الشعب خيارين:

1- خيار حمل السلاح

2- التراجع إلى الوراء

يتطلب الخيار الأول تنظيما إداريا و عسكريا مُحكما و خبرة في لعبة الحرب، و يتطلب أيضا توازنا من حيث نوعية السلاح المستخدم في قتال النظام! لا أتكلّم هنا عن كلشنكوف و صواريخ القسّام و رعد (تلك تعدّ من المفرقعات في قاموس الطائرات الحربية). ربما استطاع الثوار أن يفرضوا توازنا عسكريا ما على الأرض بعد أن غنموا أسلحة من النظام أو حصلوا على أسلحة من الخارج، و تمكنوا من توجيه ضربات مؤلمة للنظام، و لكن لا يمكن النظر لهذا كله بمعزل عن الفاتورة التي دُفعت بالمقابل. تستطيع أن تقول لي أن الثوّار حرّروا مطارا عسكريا و دمّروا الطائرات التي فيه. سأقول لك، إن النظام أطلق صاروخ “سكود” على المدينة الفلانية فسقط على إثره مئات الشهداء الأبرياء المدنيين!

الاحصائيات غير الرسمية تتحدث عن:

+ 85,532 شهيد من بينهم 1,540 فلسطينيو الجنسية
– من بينهم: 7,181 طفل
– 6,423 من النساء
   – 1,798 توفّوا تحت التعذيب

+ عدد الجرحى التقريبي يزيد عن 132,500
+ عدد المعتقلين التقريبي يزيد عن 246,350
+ عدد المفقودين التقريبي يزيد عن 87,510
+ عدد اللاجئين خارج سورية يزيد عن 2,400,240
+ عدد النازحين داخل سورية يزيد عن 5,200,000

أما حجم دمار فهو هائل جدا و لا يمكن التغافل عنه. إذن هو جُرح كبير جدا و لن يلتئم في سنة أو سنتين أو عشرة.

بالنسبة لـ الخيار التاني، لنفترض أن الثوّار قرّروا العزوف عن فكرة التسلّح و تراجعوا من الميادين. في هذه الحالة سيكون هناك فاتورة أخرى قد لا تكون بحجم فاتورة الخيار الأول. هل كان يتوقّع من النظام أن يترك الناس و شأنهم و يقول عفا الله عما سلف؟ هل كان سيمتنع عن ملاحقة المتظاهرين و تمريغ أنوفهم بالتراب حتى يتعلموا الدرس؟ أشك في ذلك، خاصة و أن منطق النظام و نظرته للأمور في تلك الفترة كان انعكاسا لمثل هذه الهلوسة.

بأية حال، لم يحدث شيء من هذا، بل اختار الثوار خيار السلاح .. ثم دُفعت الضريبة الكبرى، و دخل “على الخط” جماعات تقاتل بإسم “الخلافة” و “قطع يد السارق” و دولة العراق و الشام إلخ..! و هذا ما لم أسمع به في المراحل الأولى من الثورة، إذ كانت الهتافات حينها تقتصر على عبارات “الحرية” و لاحقا “إسقاط النظام” … لكن بغض النظر عن مصدر هذه الجماعات و الشعارات الدخيلة، ما أريد أن أسأله وهذا هو جوهر هذه المقالة: ما موقع الثورة السورية من الضريبة التي دفعتها سوريا و السوريين؟ هل من حق الناس أن يضعوا اللوم على صمت المجتمع الدولي أو على الدول العربية التي لم تتدخل عسكريا؟ لما لم يتم تبني الخيار الثالث و هو التفاوض مع النظام و ربما إجباره بوسائل عديدة على تقديم تنازلات معيّنة؟ ألم يكن في حسبان الثوار أن حزب الله سيتورط بالخطيئة الكبرى و يتدخل في سوريا؟ من الذي سيمنعه من ذلك؟ إسرائيل؟

أخيرا، هل كان توقيت الثورة السورية خاطئا؟

أعتقد أنه من خلال الاجابة عن هذه الأسئلة يمكن استقراء مسائل كثيرة ثار حولها جدل كبير، مثل موقف العلامة البوطي من الثورة، حرب تمّوز 2006، الحرب على غزة 2009 والحرب على غزة 2014.

_ مصدر الصورة  UK Department For International Development