ناماستيه! نيبال بلد منعزل عن العالم، يقع في جنوب شرق آسيا. يحدها من الشمال الصين ومن باقي الإتجاهات الهند. سافرتُ وزوجتي إليها. كانت تجربة مميزة. وقد اخترنا نيبال لعدة أسباب: أولها أننا نريد بلدا مختلفا، له طابعه الخاص غير المصطنع، وغير المقلّد. ثانيا تأشيرة الدخول يمكن استخراجها من المطار عند الوصول ((التفاصيل في هذا الموقع.)) . أخيرا نيبال بلد رخيص!

TripAdvisor.com

كل رحلة تبدأ من موقع “تريب أدفايزر”. هذا الموقع فيه كل ما تحتاج من معلومات عن أي بلد، ومن خلاله تطلع على أهم المطاعم والفنادق ووسائل التنقل ومعلومات أخرى تحتاجها للسفر، وعبره يمكن أن تحجز فنادقك وأن تلغي الحجز قبل مهلة محددة دون أن تدفع ولا ملّيم. كان لابد من ذكر هذا الموقع كونه الملاذ الأول قبل التخطيط لأي رحلة.

من خلال الموقع عرفت أن نيبال مشهورة برحلات المشي وتسلق الجبال والتخييم، وكثير من الأوروبيين يذهبون إلى هناك لهذا الغرض. ورحلات المشي قد تستغرق أيام عديدة. ومكاتب السياحة في نيبال التي توفر هذه الخدمات لا تعد ولا تحصى.

لكن كان الاختيار أن تكون الرحلة ذات طابع تقليدي، أي التعرف على البلد والمبيت في فندق، وزيارة الأماكن السياحية والمعابد إلخ. وبعد الحصول على أسماء عدة مكاتب سياحية موصى بها عبر الموقع أعلاه، راسلتهم وشرحت لهم مُرادي بالتفصيل. وتلقيت منهم عروضا اخترت الأنسب منها من ناحية السعر والجودة.

وكان برنامج الرحلة يتضمن كافة التنقلات بالسيارة، بالإضافة رحلة ذهاب وعودة عبر “طيران بوذا” داخل نيبال. ويشمل أيضا المبيت في فنادق تم الاتفاق عليها مسبقا وبعض الوجبات، والبرامج السياحية، بالإضافة إلى دليل سياحي يتحدث الانكليزية.

الحضارة والمعتقدات

الغالبية العظمى من سكان نيبال هندوسيين أو هندوس، ثم يأتي بعدهم البوذيّين، ثم أقليات متعددة منها مسلمة. الجدير ذكره هو أن “بوذا” وُلد في نيبال، وتحتوي كاتماندو على معابد بوذية قديمة جدا.

يؤمن البوذيون والهندوس بأن على الإنسان أن لا يعذب حيوانا أو يقتله، لذلك هم نباتيين. معتقداتهم تتنوع بين التركيز على تنقية النفس من الشوائب والارتقاء بها لمستويات عالية جدا، وبين أساطير وإيمان بالحظ ورسومات مليئة بالرموز. لا يعترف الهندوس والبوذيون بوجود إله واحد خالق للكون، ولا بديانات سماوية ولا بقصة آدم وحواء. هم يعتقدون بالتقمّص، أي إنتقال الروح من جسد إلى آخر بعد الموت. الإنسان إذا لم يرتقي بنفسه إلى مستويات عالية فإنه لن يتذكّر أشياء من حياته السابقة. الدلاي لاما الذي طردته الصين من التيبت (ويسكن حاليا في الهند) هو القائد الروحي والسياسي للبوذيين. قبل وفاته يُطلع أحد المقرّبين منه بالمكان والزمان الذي سيولد فيه من جديد، وبنظرهم هو قادر أن يتذكر أحداث من حياته السابقة (أي قبل التقمّص). يستطيع الإنسان بنظر البوذيين أن يصل لمرتبة أعلى من الآلهة حين يتجرّد من كل ما هو سيء ومادي (الحقد، الشجع، الغضب)، وهذا لا يتحقق من خلال حياة واحدة، بل لابد من عدّة تقمّصات لتحقيق ذلك. فكرة الجحيم مرتبطة أكثر بالعذاب النفسي أو الفكري، أما “الجنّة” فهي ذاتها تلك الحالة التي ذكرتها آنفا، والتي يرتقي فيها الإنسان بروحه ويتجرد من كل شيء ويحقق الإستقرار الذهني المطلق (أو عند الهندوس: يتّحد مع الإله الأعظم). هذه الحالة تسمّى نيرفانا. الحياة مستمرة إلى لا نهاية ولا يهمّهم كثيرا أن يعرفوا كيف بدأت. أنت عشت اليوم فقيرا لكن غدا ستخلق من جديد بحال أخرى. القتل، الزنا، السرقة، شرب الخمر (وكافة المسكرات)، وذبح الحيوان، والقمار … كلها من المحرّمات.

قمة أفريست

لا يوجد بحر في نيبال، لكن الجبال العالية جدا موجودة وبكثرة، ويكفي أن أذكر سلسلة جبال الهيمالايا التي تقع فيها أعلى قمة في العالم – قمة أفريست! لذلك لا تستغرب أثناء تحليق الطائرة على علو مرتفع فوق نيبال إذا رأيت جبالا تنطح السحاب. لكن يجب أن أعترف أن أعلى نقطة وصلنا لها كانت بارتفاع 2000 متر، وصلنا لها بالسيارة.

تمنّيت لو أنني وصلت لارتفاعات أعلى، لكن ذلك يتطلب تسلق الجبال و تجهيزات ومعدات خاصة و تخييم وفترة طويلة نقضيها في مرتفعات لا تخلو من المخاطر.

كاتماندو Kathmandu

أول ما تلحظه بعد وصولك للعاصمة كاتماندو هو التلوّث الناتج عن الشوارع المؤلفة من مزيج من الاسفلت والتراب. الشوارع تعج بالدراجات النارية، والمداخن المتحركة (شاحنات وحافلات المازوت) والمشاة والكلاب وقليل من السيارات. البنى التحتية بشكل عام سيئة والمياة الجوفية غير صالحة للشرب.

بالرغم من ذلك، يعوّض الجو اللطيف عن متغّصات الحياة في كاتماندو، وكذلك المطاعم المنتشرة حول المعابد القديمة مثل الـ “بوداناث” ومشاهدتك للناس وهم يؤدون شعائرهم بطريقة غريبة كليا عن ما تعوّدت العين على رؤيته! وفي مثل تلك الأماكن لابد من دليل يزيل عنك ملامح الدهشة ويشرح لك ما يجري. ومن حسن الحظ أن الدليل الذي رافقنا في كاتماندو كان مثقفا ويتحدث الإنكليزية بلهجة مفهومة ومتعمّق بالبوذية ولديه اطلاع على الإسلام.

ليلتان في كاتماندو كانتا كافيتين للتعرف على أبرز ما فيها من معابد والمشي في الأسواق والتسكّع في شوارعها. كانت النقطة التالية بكتابور.

بكتابور – Bhaktapur

منطقة ريفية تبعد عدة كيلومترات عن العاصمة. يوم واحد تقضيه هناك كاف للاستمتاع بالهدوء ومنظر حقول الأرز والذرة، والنهر الجاري والأبنية المبنية من الصخر النيبالي الأحمر الشبيه بالقرميد، والنسيم العليل، والتلذذ بصحن الباستا على ضوء الشموع.

بُخارى – Pokhara

تبعد بخارى عن كاتماندو حوالي الست ساعات بالسيارة كون الطريق ضيقة ووعرة. لكن يفضّل استخدام الطيران الداخلي للوصول إليها في أقل من 20 دقيقة.

الحياة في بخارى أهدأ من كاتماندو، التلوث والضجيج أقل بكثير. الطبيعة أجمل. محلات الثياب والتحف موجودة بكثيرة على مقربة من معظم الفنادق، بالإضافة إلى مطاعم عديدة تقدم وجبات إيطالية لذيذة على مرأى من بحيرة “فيوا” الكبيرة. والجدير ذكره هو أنه طوال إقامتنا في نيبال كنا نتناول الوجبات الإيطالية كالبيتزا والباستا، وأحيانا الأرز واختيارات أخرى وكانت كلها جيدة جدا. موقع tripadvisor ساعدني في تحديد المطاعم الأكثر شيوعا لدى السيّاح!

هنا يمكن شراء التحف أو الملبوسات أو منسوجات الصوف والحرير بأسعار جيدة، لكن المفاصلة ضرورية. تقع على مقربة من بخارى جبال عديدة مرتفعة جدا، منها جبل سارانجوت الذي يرتفع 2000 متر عن سطح البحر، حيث يمكن مشاهدة أروع منظر لشروق الشمس من أعلى الجبل.

الطريق إلى شيتوان

استغرقت الرحلة من بُخارى إلى شيتوان 5 ساعات بالسيارة. كانت متعبة بعض الشيء لكن المناظر الذي شاهدناها على الطريق كانت تستحق كل العناء. حقول الأرز الشاسعة، القرى المترامية على سفوح الجبال، الأنهار، الشلالات، الجبال، الوديان، أطفال ذاهبين إلى مدارسهم، رجال ونساء يعملون في الحقول .. كلها مناظر تبعث البهجة في النفس.

شيتوان – Chitwan

الإنتقال إلى شيتوان شكّل نقلة نوعية من حيث الطقس والطبيعة. سافرنا إلى نيبال في سبتمبر (أيلول) وكان موسم “المونسون” الذي يتّسم بالحر والمطر الغزير في نيبال قد شارف على نهايته. كانت درجة الحرارة عند وصولنا إلى شيتوان حوالي 34 مئوية! لاحظنا أنه لا وجود للجبال هناك، وأن السهول الشاسعة المزروعة بالأرز والتي تسيح فيها الثيران والغنم، تهيمن على المشهد العام. وتستطيع كذلك أن ترى التماسيح على ضفاف الأنهار. الناس يتنقلّون بالدراجات النارية وبعض السيارات والكثير من الفيلة.

وفي شيتوان أيضا غابات وأدغال معظمها مصنفة على أنها محميات طبيعية، يمكن التنقل فيها سيرا على الأقدام بمرافقة الدليل، أو في رحلة على ظهر الفيل ترى فيها وحيد القرن والغزلان والطواويس … والنمور (نادرا جدا).

مضت 3 أيام في شيتوان قمنا فيها بنشاطات عديدة، منها رحلة سفاري سيرا على الأقدام في الأدغال، وزيارة إلى مركز تكاثر الفيلة، ورحلة في زورق طويل خشبي في النهر لمشاهدة التماسيح، ورحلة في الغابة على ظهر الفيل، وجولة صباحية لمشاهدة مختلف أنواع الطيور. وتضمن ذلك وجبات فطور وغداء وعشاء لذيذة، محلّية وعالمية، كان يقدمها الفندق وكانت من الأشياء التي استمتعنا بها.

ولأن شيتوان منطقة في قلب الأدغال ونائية عن المدن الكبرى، فإن الحياة هناك أكثر بساطة وبدائية. أكثر الناس يعيشون في بيوت من القش، ويستمدون قوتهم ورزقهم من تربية المشاية والزراعة ويتنقلون على الفيلة أو العربات التي تجرّها الأحصنة .. وبعض السيارات والدراجات النارية.

شيتوان نموذج فريد لمكان لم تعبث به العولمة أو المادية بشكل تخريبي. إنسَ أمر “الأتيكيت”، فوجودك هناك يعني أنه لا مجال للقرف من نملة في طعامك، أو الخوف من حربائة في غرفتك. الحياة اليومية تحتّم عليك أن تتعامل مع محيطك بالشكل الذي أوجده الله. وبالرغم من وجود المخاطر، فإن الناس تعلموا كيف يتفادوها دون اللجوء للحلول القاسية بحق الحيوان أو البيئة.

مفارقات

1- أحد أشهر المطاعم في كاتماندو كان إسرائيليا، يقدّم وجبات مثل الفلافل والمحمّرة والتبولة …

2-  حال الكهرباء والإنترنت في نيبال أفضل من حالها في لبنان!

3- خلال زيارتنا لم نصادف أن رأينا مطعما واحدا يقدّم الوجبات السريعة. لا ماكدونالدز ولا غيره.

4- الكلاب والثيران تعادل القطط في بلادنا. هي موجودة في كل مكان ولا يتعرّض لها أحد.

أخيرا نيبال مثال لتناغم عجيب بين البشر والأرض والنبات والحيوان. لكنها أيضا بلد حاصل على حصّة الأسد من الفقر والجهل.

* ناماستيه = مرحبا !