تشوش

لطالما كان الغرب مصدرا للمشاكل و عائقا أمام شعوبنا للتغيير و التقدّم نحو الأفضل. إنه مصدر “المؤامرات” التي تُحاك ضدنا و ضد الإسلام. الغرب هو السبب في تفشي الفقر و الجوع و الأمية و الإنحلال الأخلاقي في بلداننا. بإختصار، هناك مشكلة في منهج تفكيرنا!

دين

لا تخلو معظم المساجد في الوطن العربي من خطيب بارع يعرف كيف يصوّر حياة المسلم بصورة غاية في المثاليّة و يكأننا نعيش بين الصحابة و الرسول عليه الصلاة و السلام. الجميل في هذا أن المرء يشعر بأن تاريخ الإسلام لازال محفوظا. لكن فهمنا و قراءتنا للتاريخ لا تزال نسخة متكررة عن قراءات من كانوا قبلنا. الخطاب الديني المستخدم في تعريف الناس بتاريخهم و دينهم هو الآخر راكد، و افتح إن شئت على أي قناة فضائية و قارن الأسلوب الذي تُلقى فيه المحاضرات الدينية، ركّز على العبارات و الجمل، ستجد بأن لا شيء جديد و أن المعلومات تدور حول نفسها. إن هذا بمفهومي البسيط هو الإفلاس بعينه، و هو إنحراف عن منهج تفكير من سبقونا في الماضي – إليكم مثال.

الفكر الإسلامي اليوم مصاب بالركود لأسباب عديدة منها النقل الجاف و نبذ الإجتهاد، لهذا أصبح معلّبا. ثقافة الـ copy و paste لم تعد مشكلة خاصة بالمدونات فقط!

سياسة

القبليّة و النزعة الطائفية و العرقية و الثوريّة متأصّلة في الواقع السياسي في العالم العربي. لا أستغرب، لطالما كان ذلك جزءا من تاريخنا.

و بما أن الفكر السياسي منغلق و مقيّد بحواجز من صنع الإنسان، كالفكر الديني، نشأ تصادم بين الإثنين. من جهة، الساسة يخافون على “شرعيّتهم” التي ما إذا وُضعت في ميزان الدين فلن تكون أثقل من جناح بعوضة. من جهة أخرى إذا ذكرتَ مصطلح “ديمقراطية” أمام رجل دين تلعثم و قال على الفور”حرام”. اللهم إني أعوذ بك من التعميم!

الضحية

الإنسان البسيط هو الضحية، ما أكثر البسطاء. هذا الإنسان لا يجب أن نلومه على تصرّفاته الغوغائية عندما يحرق السفارات و يعيق حياة الناس في بلده لمجرّد أن هولنديّا قال كلاما عشوائيا عن الإسلام و المسلمين، أو لمجرّد أنه سمع خبرا كاذبا في الصحيفة! لا يجب أن نستغرب إزدواجيّته و تناقضاته!

و قد يخطئ من يظن أن “البسطاء” هم بائعو الخضار و الحبحب، بل إن هذه الكلمة تشمل شريحة كبيرة من الناس، منهم أنا و أنت، نحن الذين فُرضت علينا أنماط معيّنة من الآداب و المفاهيم العليلة، حتى بات من المستحيل تصوّر حياتنا بدونها أو تصوّر إمكانية الخروج عنها أو عليها. بات غريبا مثلا أن نؤمن بإحتمال وجود كسر في قصيدة المتنبي و خطأ في فتوى إبن باز. و هكذا … نحن ضحايا أدوات شريّرة، أبرزها الإعلام.

الإعلام

في خضم هذه المعمعة جاء من يزعجنا أكثر. إنهم طائفة من الناس إعتنقوا العبثيّة. و بما أنني قبل قليل قلت “لا يجب أن نستغرب” أجدني الآن أعيد النظر بما قلت لأنني تذكّرت للتو أن للإنسان عقل! هذه العبثية إتخذت شكلين. الشكل الأول -كنموذج بسيط- متمثّل بالبرامج التلفزيونية التي خرقت ما يعتبره المجتمع من المحضورات، فشكّلت له صدمة قويّة. أما الشكل الثاني فأخذ شكل جرعات المخدّر الضئيلة التي يتعوّد عليها الجسم ببطئ.

دعوني أوضح لكم كيف يتم ذلك. أبدأ بالنظريّة الأولى التي تتّخذ الصدمات وسيلة للتغيير. هذه النظرية متّبعة في بعض وسائل الإعلام التي تموّلها “أياد خفيّة”. نجدها على شكل محطات تلفزيونية تبث برامج تتناقد مع واقع الناس على الأرض و تكسر كل الحواجز التي يضعها المجتمع. خُذ مثلا برنامج “س. أ.” الذي يعرض مشهد شاب يقبّل فتاة على وجنتيها، أو يحتضنها كأنها زوجته. تناقد بين الواقع و الشاشة! هنا أيضا أتذكّر الخطاب الديني الذي وصفته بالمثالي في أول التدوينة.

لا أخفيكم بأن “نظرية الصدمة” فعّالة في التغيير و التأثير في المجتمع. هذه النظرية متّبعة في العلاج النفسي، فالمريض الذي يخاف الكلاب -مثلا- يعرّضه الطبيب بشكل مفاجئ لموقف يواجه فيه كلبا، بشكل لا يؤذي المريض أو يتسبب له بسكتة قلبية. هذا من شأنه تخليص المريض من خوفه من الكلاب. جرّبوها مع ما تخافون القيام به، إنها طريقة مثاليّة.

أما الإدمان البطيئ و جرعات المخدّر فيمكن أن أضرب لها مثلا من خلال الحديث عن غطاء الرأس أو عن التدخين. حسنا سأختار التدخين. كانت المجتمعات في الماضي تنظر للتدخين على أنه عادة سيئة جدا، و كانت فكرة وجود مرأة مدخّنة في الشارع الأمريكي شيء مستحيل. جاء الإعلام مرة أخرى، و راح ببرودة أعصاب يروّج لمعاني الحريّة و الإستقلالية، ثم ربط تلك المعاني بالتدخين و غيرها من العادات السيئة التي باتت جزءا من حياتنا اليوم، و قد استعان بنجوم السينما و المشاهير ليكونوا أداة لإقناع الناس بالمعلومات التي يبثها. أحد الرجال الذين لعبوا دورا بارزا في هذه المؤامرة كان Edward Bernays و هذا الكلام مأخوذ عن فيلم وثائقي من إنتاج البي بي سي، بعنوان The Century of the Self. هل نجحوا في إقناع الناس بـ “أهميّة” التدخين؟ الجواب تجدونه في الأموال التي تتكبّدها الحكومات لمعالجة الأمراض الناتجة عن التدخين!

مع غطاء الرأس حدث العكس، كان جيدا، أصبح سيئا.

تصبحون على خير

إذا كان ما قلته للتو صحيحا، فالحلول ليست عنا ببعيدة، و يمكن أن أجمعها في كلمات معدودة: دين، ثقافة، مرونة، إبداع (إجتهاد)، حريّة، و لا للعبثيّة. الإعلام أهم الأدوات المتوفرة حاليا لبدء التغيير. الإعلام يشتمل على نواحي عديدة من حياتنا، منها الأدب و الصحف و المدوّنات و المواقع الإلكترونية و التلفزيون و المجلات و المنابر و كل ما هو موجه للمجتمع. يبقى أن ننتظر التغيير الحقيقي.

كم أكره أن ألخّص الحياة بتدوينة!