خريطة الإمارات

مجموعة قُبل و مصافحات و ترديد لكلمات معلّبة منمّقة و إبتسامات عريضة و دموع قليلة. جلستْ هي بمحاذات نافذة الطائرة و أخذت تسترق آخر نظرة من بلدها الذي إحتضنها و رعاها لما يزيد عن عشرين عاما، ثم انفجرت بالبكاء كأنها طفل خرج من رحم أمّه. إستوقفتُها في لحظة حرجة: “سيّدتي، إنكِ تدوسين على حذائي”.

من خلف نافذة شقتي أقف الآن أمام بُحيرة خالد ((بحيرة إصطناعية في مدينة الشارقة)) ، إنها بكبريائها تخاطبني و جميع من حولها -من بنايات شاهقة و مساجد عظيمة مزخرفة و أشجار نخيل و سيارات مركونة بمحاذاة الكورنيش و سُحُب دخان أسود يغطّي المدينة و كومة قمامة عائمة و شبح الطائرة الذي يظهر على سطح الماء- تقول لي أشياء لا تفهمها إلا هي، و لكنني على يقين بأنها قصائد حب. و أسمع أيضا صوت بكاء، إنه صوت الفتاة التي صادفتها على الطائرة. التوقيع: عالم الهذيان.

إماراتيات

إنه يومي الثامن السادس عشر الحادي و العشرين الثاني و العشرين في الإمارات، الكفيل حتى الآن بأن أكوّن إنطباعات جيّدة عن هذا البلد بحلوة و مرّه.

الجيدة، أبدأ بالشعب الإماراتي الطيّب و الخدوم و العزيز، صاحب الإبتسامة البيضاء. إنه البلد الذي تتوفر فيه جميع ضروريات الحياة دون إنقطاع أو تقنين أو إستهتار، و بأحدث التقنيات. هذا جميل.

تعتمد دولة الإمارات على العمالة الأجنبية في تسيير معظم أمورها. الوافدون من جنوب شرق آسيا ((الهند و باكستان و الفلبين و بانغلاديش إلخ..)) يشكّلون نسبة 50% من مجمل عدد السكان. أما العرب و الإيرانيون فنسبتهم 23% في حين أن الأوروبيين و الأمريكيين يشكلّون نسبة 8% من عدد السكان. أما الـ 19% الباقية فهي للمواطنين الإماراتيين. صَدْمة!

من هنا، فإنه ليس بالغريب أن تعرف أن سائقي التاكسي و العمال الذي يدبّرون النسبة الأكبر من المطاعم و الصيدليات و “المولات” و ينظّفون الطرقات و يحرسون البنايات و يبنون الأبراج السكنيّة … هم جنوب آسيويين. و من هنا أيضا، من الصعب على كل وافد جديد التواصل مع الهنود و الباكستانيين في كل مكان لأن لفظهم يُشبه -قلت يُشبه- اللغة الإنكليزية!

في ساعة الضيق يتسائل المرء أحيانا: هل أنا في نيو دلهي؟ و عندما يسمع صوت إنسان يلفط الأحرف العربية يقول: إنفرجت! تلك هي الناحية السلبية. و لكن بالعادة نتأقلم مع كل الظروف ..

الشارقة

بحيرة خالد

الحياة في إمارة دبي ليست هي نفسها في إمارة الشارقة أو إمارة أبو ظبي أو غيرها من الإمارات السبع التي تشكّل معا دولة الإمارات. أبو ظبي أقرب ما تكون لأوروبا من ناحية الإخضرار الذي يلوّن كل زاوية فيها، و إنها إحدى المدن التي تحتوي أكبر نسبة أشجار في العالم. أما دبي فهي أقرب للطابع الأمريكي في عمرانها و هندستها; فيها أبراج شاهقة، من ضمنها برج دبي ((برج دبي يعتبر الآن أعلى برج في العالم، صفحة ويكيبيديا.)) ، و فيها ميترو دبي الذي يتوقع تشغيله بأكمله في 2010. حياة كل من أبو ظبي و دبي سريعة و مزدحمة، و تصطبغ بالطابغ الغربي فيما يخص وجود المسابح المختلطة و الملاهي الليلية و المقاهي; لبنان و زيادة.

بحيرة خالد

إمارة الشارقة مختلفة عن أختَيْها: دبي و أبو ظبي. تبعد الشارقة عن الأولى حوالي 20 دقيقة و عن الثانية حوالي 3 ساعات، هذا دون أن نحسب الوقت الذي يمضيه السائق عالقا في زحمة السير التي يمكن أن تمتد أحيانا لساعات طوييييييييييييييلة. ما أقرف زحمة السير! الشارقة محافظة على التقاليد و المبادئ الإسلامية أكثر من غيرها، إذ يُمنع فيها وجود الملاهي الليليّة و مقاهي الشيشة (النارجيلة) و مظاهر العُري الذي يخدش الحياء، و لهذا يقل وجود الأوروبيين فيها.

بحيرة خالد - الكورنيش

أسكن أنا في منطقة “البحيرة كورنيش” – كما يعرفها سائقوا التاكسي، و هي الجزء الأكثر إشارقا في الشارقة، إذ توجد فيها بحيرة خالد الإصطناعية. يمتد على طول البحيرة كورنيش جميل أقرب ما يكون لكورنيش “المنارة” في بيروت. و ليس هناك أجمل من ساعة يقضيها المرء هناك ليلا يمارس فيها رياضة الركض أو المشي. كذلك توجد في الشارقة مجموعة من المتاحف الإسلامية و الفنيّة المتميّزة و التي آمل أن أكتب شيئا عنها حالما أزورها.

نفترق هنا. في جعبتي الكثير من الكلام الذي يحتاج إلى توثيق بالصور أو الفيديو، أتركه لوقت لاحق إن شاء الله، لأنني أشعر بالحاجة إلى المزيد من الوقت لكي أستقر نفسيّا أو لأسترجع طاقاتي الكتابيّة. الآن -و أخيرا- إجتاحتني الجرأة لكي أضغط على زر “Publish”. في أمان الله.