ديمقراطية

الديمقراطية ليست حراما عندنا لأنها حكمة نحن أولى الناس بها، بل لأن عقولنا تشتغل على نظام لا يستسيغها: ويندوز 95. هل نحن بحاجة إلى “فرمتة”؟ في الواقع لا، نحن بحاجة إلى”تحديث” لأن الأسُس السليمة موجودة، لكن ينقصها التطبيق العملي.

الديمقراطية تعني “حُكم الشعب”، لا حُكم الجنرالات و زعماء القبائل (بالمفهوم الحديث) و لا حُكم الخُلفاء (بالمفهوم القديم الذي نشأ من بعد تولّي معاوية -رضي الله عنه- الحُكم).

و قد يقف الكثيرون عند كلمة “حُكم الشعب” و قد يعترضون عليها. و لهذا يفضّلون تسميتها بـ “الشورى” لأنها بمفهومهم تعني: الحُكم الذي يستمد سلطته من الله، أي من النص القرآني و ما جاء في سُنّة الرسول محمّد عليه الصلاة و السلام. و هذا الإعتراض برأيي ليس سوى تعصّب أعمى لمصطلحات مختلفة من حيث الظاهر، و متشابهة من حيث المحتوى.

الديمقراطية هي التطبيق العملي للشورى. فالإنتخابات النزيهة التي تجري حاليا في البلاد المتقدّمة يتمخّض عنها مجالس نوّاب يختارهم الشعب، و مجلس النوّاب (أي السلطة التشريعية) يحدّد شكل الحكومة التي ستحكم البلاد (السلطة التنفيذية)، و من ثم يتم تحديد الرئيس من قبل الحكومة أو مجلس النوّاب. و قد تختلف آليّات تشكيل الحكومات و إختيار الرؤساء من بلد لبلد، و لكن -في نهاية المطاف- المبدأ واحد. 

لو جرت إنتخابات ديمقراطية و اختار الشعب من خلال ممثّليه أن يكون الإسلام مصدر التشريع للدولة، ماذا نسمى الديمقراطية عندئذن؟

و لكن ماذا لو إختار الشعب حُكما علمانيا أو أي شيء آخر؟ هنا تكمن المشكلة عند البعض، فهم يرون بأن الإسلام يجب أن يحكُم الدول حتى و إن كانت غالبية شعوبها ترفضه. و يبرّرون ذلك بأن الشورى ما دامت “حُكم الله” فواجب إلزامها و فرضها على الشعوب، بينما الديمقراطية تسمح للشعب أن يختار ما يشاء.

و هذا الرأي من وجهة نظري لا يعدو عن كونه تطرّفا فكريّا لا يتّفق مع الفطرة السويّة للإنسان، و لا مع مبدأ “لا إكراه في الدين”، و لو قسنا هذا الرأي بالأنظمة العربية الحالية، سنجده متوافق معها تماما. ففي كلا الحالتين، المقهور الوحيد هو الشعب.

إن إلزام الناس بطريقة حُكم معيّنة أو بإديولوجية موحّدة يعني بأننا نمجّد فرعون و إرثه الثقافي! لن يجد الحاكم عندها أي حرج في إضفاء القدسيّة و الشرعيّة المطلقة على نفسه، و سيُعلن بأن سليلته أحق بالحُكم من غيره، لأنه -ببساطة- سيعتبر نفسه هابط من “فوق” ، و لن يكون هناك وسيلة للإطاحة به بعد ذلك إلا بإنقلاب عسكري أو ربّما سلمي، و هذا ما أدعوا إليه في هذه التدوينة.

عندما أراد الخليفة المنصور أن يفرض كتاب ” الموطّأ ” و يعمّمه على بلاد المسلمين، حتى تتوحد الآراء الفقهية، رفض الإمام مالك (صاحب الكتاب) طلب الخليفة وردّ عليه قائلاً: “أصلح الله أمير المؤمنين، فإن أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم تفرّقوا في البلاد، فأفتى كلٌّ في بلده بما رأى، وإن لأهل مكة قولاً، و لأهل المدينة قولاً، و لأهل العراق قولاً، قد تعدوا فيه طورهم، و هم لا يرضون علمنا، واختلاف الفقهاء رحمة من الله تعالى بهذه الأمة”.

أختم بمقولة قالها المفكّر الإسلامي السوري جودت سعيد: “إنّ الغرب اليوم يطالب بالديمقراطية، لكنه يصاب بالرعب إذا ما صارت الديمقراطية عندنا لأن هذا يحمل موته، لذلك تراه يحارب أية إرادة للديمقراطية فينا و بشكل شرس، و كحرب الأفيون في الصين سوف يحاربنا.. لماذا؟ لأننا حينئذ سنملك الاستعداد لأن نبيت عراة جياعا وأن نقطع عنهم كل شيء، ولا نأخذ منهم شيئا، إنني لا أقول هذا للسياسيين، بل للمثقفين الذين لا يعرفون شعوبهم ولا يحسون بآلامهم.”

مدونتي ديمقراطية، لذا تصرّفوا و كأنكم من “أهل البيت” فالجميع لكم آذان صاغية.