المبدأ

وصفه معارضون بالزنديق الضال الفاسق الفارسي! هذا كاف للتعريف عنه.

هو أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطي المولود في مدينة الكوفة في العراق، مؤسّس الفقه الحنفي و أوّل الأئمة الأربعة – لدى المسلمين السُنّة. وُلد عام 80 هجرية و توفي عام 150 هـ. عاصر بعض صحابة النبي عليه الصلاة و السلام و رأى منهم أنس بن مالك، فأصبح تابعيّا ((التابعي: من لقي الصحابة مُؤمنا بالنبي و مات على الإسلام.)) . أبو حنيفة مؤسّس المذهب الحنفي الأكثر إنتشارا في البلدان الإسلامية ((العراق و مصر و باكستان و أفغانستان و الهند و أندونيسيا و بلاد الشام …)) .

تعريف كلمة إمام

تُعرّف كلمة إمام وفق المعجم الوسيط ((المؤلف: إبراهيم مصطفى، أحمد الزيات، حامد عبد القادر، محمد النجار. تحقيق: مجمع اللغة العربية)) : من يأتمّ به الناس من رئيس أو غيره، و منه إمام الصلاة، و الخليفة، و قائد الجند، و القرآن للمسلمين (و كل شيء أحصيناه في إمام مبين)، و الدليل للمسافرين، و الحادي للإبل، و القدر الذي يتعلمه التلميذ كل يوم في المدرسة (يُقال حفظ الصبي إمامه)، و الطريق الواسع الواضح ..

أما الإمامة فهي: رياسة المسلمين و منصب الإمام.

و الإماميّة: نسبة إلى الإمام أو الإمامة، و فرقة من الشيعة تقول بإمامة علي بن أبي طالب و أولاده دون غيرهم.

حياته

إذا نظرت في حياة أبو حنيفة سترى في شخصيّته الإنفتاح و المبادرة و المرونة و الصبر و الذكاء. كان غنيّا جدا، حسن المظهر، أنيقا يلبس أفخر الثياب و في الوقت نفسه سخيّا جدا مع الفقراء، الذين كانوا أعز الناس في حلقات دروسه. قيل بأن الزكاة لم تجب عليه يوما رغم أن دخله السنوي تعدّى 200 ألف درهم.

أبو حنيفة كان من المَوَالي، أي أنه ليس عربيّ الأصل، بل فارسيّ الأصل، و لم يجد الناس حرجا في أن يكون إمامهم.

أصبح أبو حنيفة في شبابه “بيزنس مان” من الطراز الأول بعد أن تعلّم علم السوق. كان أبوه تاجر قماش، انضم إليه أبو حنيفة فكان له الفضل في تطوير تجارة أبيه فصار لديه واحد من أهم محلات الحرير في الكوفة.

عاش أبو حنيفة 70 سنة، منها 52 سنة في العصر الأموي و 18 سنة في العصر العباسي. عُرض عليه تولّي منصب قاضي القُضاة في عهد الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور ((ثاني الخلفاء العباسيين و باني بغداد و مؤسس “بيت الحكمة” في قصر الخلافة في بغداد و الذي أشرف عليه بنفسه ليكون السبب في ثورة علمية رهيبة ترجم فيها المسلمون كتب اليونان في الطب و الهندسة و الحساب و الفلك و الفلسفة.)) فرفض، و تولى تلميذه أبو يوسف منصب قاضي القضاة على العالم الإسلامي في عهد الخليفة هارون الرشيد. تجدر الإشارة أن كثيرا من آراء أبو يوسف الفقهيّة إختلفت عن رأي أستاذه أبو حنيفة.

أساتذته

أبو حنيفة رجل نذر نفسه للعلم. حفظ القرآن و روى الحديث و درس اللغة و الأدب و تعلّم علم الكلام ثم انصرف إلى تعلّم الفقه. قرّر أن يتعلّم الفقه على يد مجموعة من العلماء أهمّهم و أشهرهم حَمّاد بن أبي سليمان الذي لازمه أبو حنيفة قرابة 18 عاما لحين وفاته، و كان أبو حنيفة يحبّه كثيرا لدرجة أنه سمّى إبنه (حمّاد) إعتزازاً بشيخه.

تتلمذ أبو حنيفة أيضا على يد جعفر الصادق، الإمام السادس لدى الشيعة الإماميّة. بلغ عدد العلماء الذين أخذ عنهم أبو حنيفة العلم أكثر من سبعين عالماً.

سريع البديهة ومتسامح

1- عندما رفض أبو حنيفة تولي منصب قاضي القضاة متحجّجا بأنه لا يصلح لهذا المنصب، ثار الخليفة المنصور عليه و قال: “كذبت” فردّ أبو حنيفة فيما معناه: شهدْتَ يا أمير المؤمنين، كيف تُولّي القضاء كاذب … ؟!

ضُرب و جُلد لليال طويلة، و سُجن، و صدر قرار بمنعه من الإفتاء، و هو يردد: أنا لا أقبل القضاء، أنا حُر. رفضه للمنصب سببه عدم إستقلالية القضاء، و كونه صاحب مبدأ، لم يُرد أن يزجّ بنفسه في مكان يُصبح فيه مسيّرا. رغم هذا، لم ينتقم أبو حنيفة لنفسه، و لم يسعى لتقليب الناس على أمير المؤمنين.

2- أراد أبو العباس الطوسي -رئيس الشرطة عند الخليفة المنصور- أن يوقع بأبو حنيفة، فسأله مرّة في مجلس كان يحضره المنصور: “يا أبا حنيفة، أمير المؤمنين يبدو له رأي في إنسان فيقول لنا، دون أن ندري لماذا، أقتُل فلان. أأقتله و أطيعُ أمير المؤمنين أم أعصي أمير المؤمنين؟”

أبو حنيفة الذي كان يعرف بأن كلام الرجل فيه الكثير من الصحّة، ردّ بحكمة بالغة: “يا أبا العبّاس، أمير المؤمنين يأمر بالحق أم بالباطل؟” قال أبو العباس: “يأمر بالحق.” قال: “إفعل الحق و لا تسأل!”

3- كان أبو حنيفة يُسمّى الوتد لكثرة صلاته، واشتُهر عنه أنه كان يُحيي الليل صلاة و دعاء و تضرعا.

كان مرنا

1- أول من تكلّم في ترجمة معاني القرآن هو أبو حنيفة، و قد هوجم على هذا الرأي هجوما شديدا!

2- هو صاحب أو مشكّل “مدرسة العراق” أو “مدرسة الرأي” الفقهيّة التي دامت لثلاثين سنة، و ضمّت 40 من أهم العلماء من جميع التخصّصات لمناقشة أمور الفقه و مسائل الناس. الغريب أن هذه المدرسة خرجت منها آراء فقهية كانت مخالفة لرأي أبو حنيفة الشخصي، و لم يُعارضها! يطول الكلام كثيرا حول هذه المدرسة.

3- هو مُبتكر “الفقه التقديري” المبني على الإفتاء بمسائل قد تحدث في المستقبل، و لقد وصل عدد المسائل الإفتراضية التي أفتى بها حوالي 20 ألف مسألة!

4- لم يكن أبو حنيفة يجد حرجا في تعديل آراءه الفقهية إذا وجد آراء أخرى أصح. كان يعوّد تلاميذه أن يقولوا له “أخطأت يا أبو حنيفة” إذا خالفوه الرأي. و عندما سُئل كيف تقبل هذا؟ قال: قبلَهَا عُمر و هو على المنبر من امرأة.

5- كان يقول: ” إن الخلافة لا تورّث، ولا تكون بالوصاية، ولا تفرض على الناس بالإكراه، ولا بدّ من البيعة، وأن تكون حرة بالاختيار، وله في هذا الأمر قول مأثور: “الخلافة تكون باجتماع المؤمنين ومشورتهم”.

6- من أقواله أيضا: قولنا هذا رأي، و هو أحسن ما قدرنا عليه، فمن جاءنا بأحسن من قولنا فهو أولى بالصواب منا.

قيل عنه

1- يقول الإمام مالك (ثاني الأئمة الأربعة): و الله هذا الرجل -أبو حنيفة- لو أراد أن يُقنعك أن هذا العمود -الخشب- ذهباً لأقنعك بحُجّته!

2- قال الإمام الشافعي (ثالث الأئمة الأربعة): ما علمتُ أن في الأرض أفقه من أبو حنيفة.