قرأت في الأدب الإنكليزي ما لذ و طاب من الروايات لأشهر أدباء إنكلترا، منذ القرون الميلادية الأولى و حتى عصرنا هذا. بعدها جاء “العصير و الحلوة” على هيئة روايات عالمية حديثة. وضعت ما هو أجنبي جانبا، ثم تحولت نحو الأدب العربي، و يا له من أدب جميل غني مليئ بالحياة. هذا على الأقل ما خلصت إليه بعد تعرّفي على محفوظ، مَلِكُ الرواية العربية، و برأيي … العالمية أيضا! قرأت له مؤخرا “الحرافيش” و التي جئت أتكلم عنها اليوم. ستمائة صفحة، تعايشتُ معها على مدى أربعة أيام، سأختصرها بأسطر معدودة.

توطئة

هو نجيب محفوظ ذلك الأديب المصري الحاصل على جائزة نوبل للآداب عام 1988. رواياته تدور حول محاور متشابهة، معظمها يتكلم عن “الحارة” التي تعادل أي بلد في العالم; عن الحياة اليومية للحرافيش (الناس البسطاء)، و عن الفتوّات (الزعماء) و عن الوجهاء (الطبقة العاليا من الناس) .. هي الحياة التي عهدها محفوظ في بداية حياته. نُشرت الرواية عام 1977 و حُولت إلى فيلم بإسم “التوت و النبوت” عام 1986.

يقوله محفوظ عن الفتوات و المقاهي أيام صباه: “.. ترجع ذكرياتي عن الفتوات إلى منطقة الحسين، كان من المعروف في صغري أن لكل حارة، أو حيّ، فتوّة. شفت الفتوات في نوعين من الحوادث، أولا .. الزفةّ، كانت الزفة تبدأ بعد منتصف الليل. أصحى من النوم على واحد بيغنّي و الصهبجية يردّوا وراءه، و حملة الفوانيس، يمرّون من أمام قسم البوليس في ميدان بيت القاضي، يظهرون من حارة معينة. غالبا في الزفة يحدث أن يعترضها فتوات، لأنه لو فيه ثارات قديمة، تصبح هذه أحسن فرصة للثأر. الفرح ينقلب إلى نكد، شفت زفة تنقلب إلى خناقة دموية أمام القسم. النوع الثاني، كان الفتوات يتفقوا على الخروج إلى الخلاء، فتوة العطوف مثلا مع فتوة قصر الشوق، للخناق، لكل فتوة له رجاله، يشيلو المقاطف المليئة بالطوب و الزجاجات، و يتجهون كلهم إلى الخلاء… و بعد أن يحطم كل منهم الآخر كنت أرى النتيجة، السيارات تحملهم إلى قسم الجمالية، تحرر لهم المحاضر ثم تجيىء عربات الإسعاف …”

رواية الحرافيش

تنقسم رواية الحرافيش إلى عشر حكايات جميعها تدور حول حياة سلالة “آل الناجي” على مدى عصور متتالية تقع أحداثها في إحدى حارات مصر. كل قصة تصوّر حياة رجل من تلك العائلة. سأركز في كلامي على الحكاية الأولى لأنها الأهم برأيي، ثم سأمر مرور الكرام على ما تبقى من الحكايات.

تُفتتح الحكاية الأولى بمشهد الشيخ الأعمى “عفرة زيدان” في طريقه إلى مسجد الحسين لأداء صلاة الفجر. رجل عجوز يحب الهدوء و يتوكأ على عصاه. و أثناء سيره،

.. تناهى إلى أذنيه الحادتين بكاء وليد. لعله دوّى أكبر من حجمه في ساعة الفجر. الحق قد جذبه من سكرة الرؤى و نشوة الأناشيد. في هذه الساعة تهيم الأمهات بأطفالهن! ها هو ذا الصوت يشتد و يقترب و عما قليل سيحاذيه تماما. و تنحنح كيلا يقع ارتطام في مشهد الفجر. و تساءل: متى يكف الطفل عن البكاء ليرتاح قلبه و يعاود خشوعه؟ الآن صار البكاء ينخس جنبه الأيسر. تباعد يُمنة حتى مس كتفه سور التكيّة، و توقف قائلا:

– يا حرمة .. أرضعي الطفل!

و لكن لم يجبه أحد و تواصل البكاء، فهتف:

– يا حرمة .. يا أهل الله!

فلم يسمع إلا البكاء. ساور الشك قلبه فولت البراءة المغسولة بماء الفجر، و اتجه نحو الصوت بحذر شديد جاعلا عصاه لصق جنبه. انحنى قليلا فوق الصوت، مد راحته برحمة حتى مس سبابته لفافة. هو ما توقعه القلب. جال بأصابعه في طياتها حتى لامس وجها طريا متشنجا بالبكاء. هتف متأثرا:

– تُدفن القلوب في ظلمة الإثم ..

وصاح بغضب:

– لعنة الله على الظالمين..

و هكذا تربّى “عاشور” في بين يدي الشيخ عفرة زيدان بعد قرر هو و زوجته أن يربيا الطفل. ألقي على عاشور، في بيت الشيخ عفرة، محبة و رعاية خاصة، فتعلّم الأخلاق الحميدة. تفتّح قلبه “أول ما تفتح للبهجة و النور و الأناشيد، و نما نموا هائلا مثل بوابة التكية، طوله فارع، عرضه منبسط، ساعده حجر من أحجار السور العتيق …”

و كانت “سكينة” زوجة الشيخ عفرة زيدان ترمقه بإعجاب و تقول:

– سيكون فتى طيبا و قويا.

فيقول الشيخ عفرة زيدان:

– لتكن قوته في خدمة الناس لا الشيطان.

و سرعان ما شبّ عاشور كاشفا عن جثة ضخمة قوية، و تعرف على عمّه “درويش”، ذلك الشاب المتمرد العربيد. تدهورت حال (والده) فوافته المنيّة، و رحلت (أمه) إلى قريتها و بقي هو لوحده مع عمّه، ليبدأ حياة مليئة بالمغامرات.

صاحب عاشور عمه درويش، و سرعان ما لاحظ أنه يكسب عيشه من الحرام و السرقة، فردعه مرة بالقوة، فاستاء منه درويش و صب غضبه عليه:

– الحقيقة هي ما أقول. لقد وجدتك في الممر مهجورا من أم فاسقة!

– رحم الله الطيبين..

– بشرفي و رحمة أخي إنك لقيط إبن حرام..، لماذا يتخلصون من وليد بليل؟!

فاستاء عاشور و صمت فراح درويش يقول:

– ضيّعت جهدي، أغلقت باب الرزق في وجهك، إنك قوي لكنك جبان، و هاك الدليل.

و هوى بكفه على وجهه بجامع قوته فبوغت عاشور بأول لطمة يتلقاها في حياته، وصاح درويش بجنون:

– أيها الجبان الرعديد!

عصف الغضب بعاشور. اجتاحت عاصفته جدران معبد الليل. وجّه من راحته الكبيرة ضربة على رأس معلمه هوى على أثرها فاقد الوعي. لبث يصارع غضبته حتى تراخت للسكون. أدرك خطورة ما أقدم عليه. غمغم:

– غفرانك يا شيخ عفرة.

غادر درويش الحارة في اليوم التالي. تمر الأيام و عاشور بات لوحده “يلتقط الرزق حيثما اتفق. في الليالي الدافئة ينام تحت سور التكية. في الليالي الباردة ينام تحت القبو. ما قاله درويش عن أصله صدّقه. طاردته الحقيقة مرة و أحدقت به. لقد عرف من حقائق الدنيا على يد درويش في ليال ما لم يعرفه طيلة عشرين سنة في كنف الشيخ عفرة زيدان.” و دعاه مرّة أحد رجال الفتوّة لينضم إليهم، فقال عاشور بلا تردد “لا قلب لي على ذلك” فضحك منه الرجل ساخرا و مضى و هو يقول “جسم ثور و قلب عصفورة!”. تعرّف بعد ذلك على المعلم “زين الناطوري” فتطوع لتنظيف حميره و تقديم العلف لها، و عندما عرف المعلم زين أن أباه المرحوم الشيخ عفرة، إبتسم و عرض عليه أن يعمل عنده مكاريا، و من فوره قبل و قلبه من الفرحة يرقص. لاحظ المعلم زين أن عاشور صبي أمين و تقيّ، فسأله عن مكان سكنه و دعاه لأن ينام عنده في الحظيرة. و كان للمعلم زين إبنة تدعى “زينب”. هي الأخرى مقطوعة من شجرة و كانت قد لفتت إنتباه عاشور الذي أعجب بها فيما بعد. و عندما زاد إعجاب المعلم زين بعاشور، دعاه مرة إلى بيته و سؤاله برقّة “ألا تفكر يا عاشور في ضمان نصف دينك؟”

تزوج عاشور من زينب.  أنجب منها أربعة أولاد. أصبح هو صاحب العربة التي يُقل عليها الزبائن. و فجأة يظهر درويش في الحارة. قال إنه أمضى كل الفترة الماضية في السجن. لكنه الآن عاد و في باله أمر يود القيام به. بعد أيام ينتشر خبر بناء “بوظة” في الحارة. يصل الخبر إلى عاشور عبر أولاده فيقول مندهشا “خمّارة؟!”

يكتشف عاشور مرة أن أبناءه يتصارعون خارج المنزل. يذهب ليُفض الخلاف ليرى أن أبناءه:

– سكارى؟! يا كلاب ..

و راح يعصر آذانهم و عضلات وجهه تموج بسحب حمراء. و تجمع غلمان يتفرجون فهتف “حسب الله” متوسلا:

– فلندخل البيت.

فصاح بصوته الأجش:

– تخجلون من الناس و لا تخجلون من الله؟!

مضت أيام حزينة على عاشور. أولاده باتوا ضيوف أخيه الدائمين في الخمّارة. سمع مرة أن أولاده يتعاركون في الخمّارة بسبب البنت “فلّة” التي تعمل هناك. هرع عاشور إلى هناك.

ملأ هيكله فراغ الباب. اتجهت نحوه أبصار السكارى المطروحين على الجانبين. وثب نحو درويش و هو يهتف:

– سيهدم أولادك المكان.

إنتهى الخناق بإختفاء أولاد عاشور. غادروا الحارة أربعتهم بلا رجعة! و قال لنفسه و هو عائد من البوظة “إن البنت بهرتهم بجمالها … لماذا لا يتزوّج الحمقى؟ أليس الزواج دين و وقاية؟”. دخل البيت ليكتشف أن حياته قد تغيرت. نظر إلى زوجته فتبدّت لعينيه “ناضبة شاحبة طاعنة في السن مثل جدار الممر العتيق” قال:

– إني أرثى لك يا زينب..

فقالت بحدة:

– سنتبادل الرثاء كثيرا.

– على أي حال فليسوا في حاجة إلينا..

– بغيرهم لا أنفاس في البيت تتردد.

و في إحدى الليالي، جلس القرفصاء إلى جانب حائط التكيّة و الجدار العتيق. إنه المكان الذي وُجد فيه. خاطب نفسه: “كيف وقعت تلك الخطيئة القديمة؟ أين؟ في أي ظروف؟ ألم يكن لها ضحية سواه؟ تخيل إن إستطعت وجه أمك الحالم و وجه أبيك المحتقن، إستعد إن استطعت كلمات التغرير المعسولة …” ثم ثقُل رأسه فغفا.

ما يدرون إلا و هيكله العظيم يملأ باب البوظة.

إختلجت الجفون الثقيلة، و ترددت التساؤلات تحت غيوم الأعين:

– ماذا جاء يفعل؟

– مطاردة أولاده؟

– لا تتوقعوا من ورائه مسرة!

مسح المكان ببصره حتى وجد فراغا في الجناح الأيسر فمضى إليه و تربع هناك في هدوء تستر به على ارتباكه. هرع إليه درويش قائلا:

– خطوة عزيزة ..

ثم و هو يبتسم:

– فليعني الله على التصديق!

أثناء جلوسه بالبوظة، ظهر أولاده ثانية في الحارة. رأوا أباهم على هذا المنظر في البوظة، فتشنجت حلوقهم. و ها هو بعد أن كان يلقنهم دروسا بالأخلاق قد أصبح على غرارهم. لكن ما الذي جاء به إلى هنا؟ لقد وقع في قلبه حُب فلّة، اللقّيطة التي تعمل في البوظة. مرت الأيام و فلّة باتت تشغل حيّزا كبيرا من تفكير عاشور. قال لزوجته مرة:

– سأتزوج من أخرى يا زينب.

و صعقت المرأة. ذهلت تماما و طارت من رأسها عصافير مصوصوة و صاحت:

– أنت الرجل الطيب؟!

فقال بخشوع:

– قضاء الله ..

فصرخت:

– لم تتمحكون بإسم الله؟ لم لا تعترف بأنه الشيطان؟ ترميني قشرة و تذهب؟

فقال بتوكيد:

– مصونة جميع حقوقك!

عرف الناس بالخبر. و ضاعف من أثر الخبر ما عُرف به عاشور من الطيبة و الإستقامة. قالوا “أهكذا يقع الناس الطيبون؟ أين الوفاء لزينب؟ و أين الوفاء لزين الناطوري؟ …” لكن الأيام مضت و حملت معها أوقات في غاية السعادة. تعلّقت فلّة بعاشور تعلقا لم يحلم به. صممت أن تثبت له أنها ست بيت مطيعة بعيدة كل البعد عما يثير غيرته. و مما جعلها أثيرة عنده أكثر أنه وجدها – مثله – مجهولة الأب و الأم. تسامح معها في أمور كثيرة، مثل عاداتها السيئة. و أدرك أنها بلا دين إلا الإسم.

ضجت الحارة بنبأ غريب. يتحدّثون عن قيئ و إسهال مثل الفيضان ثم ينهار الشخص و يلتهمه الموت. تفاقم الأمر واستفحل. دبّت في الحارة حياة جديدة. يتم تشييع النعش تلو النعش. في كل بيت نواح. إنه مرض مميت ينتشر بالهواء. قال عاشور:

إذن فهو غضب الله!

و نادت أصوات أن لا تقربوا البوظة و الأماكن التي يكتظ فيه الناس خوفا من العدوى، و أن النظافة لا بد منها للوقاية. و رأى عاشور في منامه أبيه الشيخ عفرة. ألهمه بطريقة ما أن يغادر الحارة حالا لكي ينجو بنفسه. ذهب إلى زوجته فلّة فأطلعها على ما رآه في المنام و كانت تثق بكلامه، فاقتنعت أن تغادر الحارة معه، بينما رفضت زينب و أولاد زينب و أهل الحارة أن يغادروها، و سخروا منه.

و هكذا رحل عاشور مع فلّة و طفلهما “شمس الدين” عن الحارة لستة أشهر، عاشوا فيها في الخلاء، إلى جانب سفح جبل، حيث كانت تجربة شاقة. و كان يمضي عاشور وقته هناك في الليل متعبّدا متأملا في أحداث حياته. إستغل الفرصة لكي يملأ قلب زوجته بالإيمان إلا أنها كانت إمرأة ساذجة بسيطة أكثر مما تصور.

و يعود عاشور ليكتشف أن الحارة خالية تماما من الناس! أين ذهبوا؟ ماذا حل بهم؟ لكن سرعان ما بدأت الحارة تمتلىء بأناس جدد مع الوقت و كان عاشور قد إتخذ من بيوت الوجهاء مقاما له عندما وجد أن لا أحد فيها. و ازدهرت حالته المادية و راح يُنفق على الفقراء و المساكين و بات له كلمة مسموعة بين الناس إستغلها للدفاع عن المظلومين. و لُقب بعاشور “الناجي” لأنه الوحيد الذي نجى من المرض الفتاك الذي أصاب الحارة.

و يظهر في يوم من الأيام درويش! يلتقيه عاشور الذي كان قد تلقى تُهمة من الحكومة بنهب أملاك الوجهاء. و كان درويش الوحيد الذي يعرف أن أملاك عاشور ليس له بالأصل، و أراد أن يلعب لعبته فلمّح لعاشور أنه ينوي إعادة فتح البوظة، و هدده بالإفصاح عنه. لم يسكت عاشور للتهديد و حاول عبثا منع درويش من فتح البوظة. ثم قررت الحكومة أن تسجن عاشور بعدما تسرب إليها الخبر من مكان ما! قال الناس “الرجل الطيب في الحديد!” و قال عاشور أثناء المحاكمة:

– لست لصا. لم أعتد على أحد صدقوني، كان الموت قد أهلك أهل الحارة، رجعت من الخلاء فوجدتها خالية، وجدت الدار بلا صاحب. ألا تستحق أن توهب للوحيد الذي نجا؟.. و لم أستأثر بالمال لنفسي، إعتبرته مال الله، و اعتبرت نفسي خادما له في إنفاقه على عباده، فلم يعد يوجد جائع و لا متعطل، و لم يعد ينقصنا شيىء …

حكموا عليه بعام واحد. خرج من السجن، وجد فلّة لا تزال مخلصة له رغم الفقر الذي عانت منه، و رغم محاولات درويش لإستدراجها إلى العمل بالبوظة ثانية. و علم أن أخيه أصبح فتوّة الحارة. و شاهد درويش الناس يحتفون بعودة عاشور، و وجد أن رجاله يتخلّون عنه. قال شيخ الحارة في نفسه:

– كل ذلك من أجل عودة لص من سجنه!

و رأى درويش قادما فسأله:

– هل أعددت العدة لإستقبال الملك؟

وجد عاشور نفسه فتوّة للحارة دون منازع، “أقام فتونته على أصول لم تُعرف من قبل. رجع إلى مسكنه الأول و لزم مسكنه تحت الأرض كما ألزم كل تابع من أتباعه بعمل يرتزق به، و بذلك محق البلطجة محقا. و لم يفرض الإتاوة إلا على الأعيان و القادرين لينفقها على الفقراء و العاجزين .. و انتصر على فتوات الحارات المجاورة فأضفى على حارتنا مهابة لم تحظ بها من قبل …”

و تستيقظ فلّة يوما لتجد أن زوجها ليس بجانبها في الفراش. إختفى! لم يُلق له أثر في الحارة. أين ذهب؟ هل هي مؤامرة؟ لم يُرى له أثر و لم يُسمع عنه شيىء حتى بعد مئات السنين.

تعقيب على الأحداث

و هكذا إنتهت القصة الأولى من رواية الحرافيش، لتبدأ قصة ثانية نشهد فيها عهد شمس الدين إبن عاشور. و بعده نقرأ عن أحفاده ثم أحفاد أحفاده إلى حين نهاية القصة. صفحات مليئة بالأحداث عن حياة آل “الناجي” – صراعات و ظلم و جنون و ثراء و فقر و فضائح و هجرات و جرائم و مطاردات.

أصبح الناس فيما بعد يترحّمون على أيام عاشور، و كان كل جيل منهم يقول إن عاشور لم يمت .. و سيأتي في يوم من الأيام. و عندما يشتد ظلم آل الناجي و عربدتهم، كان يصب بعض الناس غضبهم على “عاشور اللقيط” أو على “عاشور الذي نهب أموال الوجهاء”.

إنها رواية دسمة مليئة بالأحداث. العدل هو الموضوع الأساس في القصة. أيضا طبيعة البشر هي إحدى المواضيع التي تتكلم عنها القصة – كيف أنهم يحبون المال و السلطة. عن التغيير .. عن الثورة .. عن الزواج و حب النساء .. عن الفساد …

نجيب محفوظ مكتبة بحد ذاتها. يعرض لنا رواياته دون وعظ و تلقين. يعرض الأحداث بشكل منطقي دون أن يشعر المرء أن الكاتب “يحشي” كلمات و جمل هنا و هناك من أجل “تمرير” فكرة يؤمن بها. أحداث رواياته تجري و كأنها ليست أحداث في رواية. يبقى القرار الأخير للقارئ. هو الذي يستنتج و يستنبط الحكم و يقول رأيه فيما يقرأ.

 

توقيع: الحرفوش عوني!