لقد خبزته وعجنته بيديّ. أهدي هذا الرغيف الساخن إلى كل فقير لا يجد لقمة عيشه. ما كنت لأمتهن صناعة الخبز لولا أنني وجدت “ثقافة رغيف الخبز” منتشرة في كل مكان. أما رغيف اليوم فأخرجه الآن من الفرن بمناسبة الحصار الأليم الذي يُفرض على الإخوة الفلسطينيين في قطاع غزة.

واقف في طابور طويل منذ الصباح والشمس تكاد تشوي رؤوس من تحتها. العرق قد أغرقنا و صوت الدنانير في أياد الناس يصرع الآذان و أنا لم أعد قادرا على رفع رأسي. كل من يحاول أن يتخطى الطابور سأقتله. سمعت صوتا آت من الأمام يقول “كلكم ستأخذون حصتكم”. تبا لك أيها الكذاب. نظرت إلى ساعة يدي التي بدا لي أنها متوقفة فقلت “هل سيبقى الوضع على ما هو عليه؟” مرت حوالي نصف الساعة، كنت قد تقدمتُ فيها أمتارا معدودة. بدأ الجميع بالصراخ. علا صوت الأذان من مسجد قريب. لم أعهد إزعاجا كهذا من قبل، و لو أنه كان طابور ماعز لكانت أصبر و أحلم. تبا للماعز، تبا لكل شيىء! ضغطت على أسناني و بلعت ريقي و بقيّة أعصابي قد استُنزفت جراء العطش. سألت من أمامي عن ماء أشربه فقال “أغرب عن وجهي.” صدقوني، كدت أقتله حينها لولا أن جسمي لم يعد فيه طاقة. نظرتُ إلى الوراء، رأيت صفا طويلا يكاد يصل إلى آخر الشارع. نظرت إلى الأمام ثم نفخت هواءا سامّا من فمي. الجحيم لكم!

إزدحم الناس أكثر فتوقفت حركة السير في الشارع. نزل الجميع من سياراتهم و اختلط من هم بالطابور مع من هم في الشارع. ما هي إلا دقائق معدودة حتى إشتبك الفريقان. إرتفعت عصيّ خشبية و قضبان حديدية و شظايا زجاج في الهواء. إنضمت نبابيت الشرطة للمعركة. بسرعة البرق خفضتُ رأسي و هرععت لأختبىء في دكان مجاور. حاولت أن أتسلل من مكان ما لآخذ حصتي، لكن العراك بالعصيّ ما لبث أن تحول إلى حرب بالرصاص. أصوات بكاء و حجارة تتكسر و صراخ أطفال و أمهات و عجائز إختلطت بأصوات المتعاركين وأصوات أبواق السيارات. رحتُ أسترق النظر و قلبي ينتفض من خلف حائط داخل الدكان. لفت إنتباهي مشهد رجل عجوز في يده ربطة خبز يقتحم الأفراد بصعوبة و يصرخ فيهم بكل قواه “لقد نفد الخبز. لقد نفد الخبز. أوقفوا العراك. على ما–” لم يكمل جملته حتى رأيته بأم عيني يسقط على الأرض جثة ميتة و قد سُلبت منه كل أغراضه. لم أستطع أن أتمالك نفسي. رحت أحطم كل ما في الدكان و أصرخ عاليا “سأقتل ذلك الخبّاز. سأقتلكم جميعا.”