غلّقت الأبواب. قالت و السمّ يتقاطر من شفتيها بلون العسل كلمات إهتزّت إثرها جدران الغرفة: “إشتقتُ إليك و إلى أنفاسك ترعى في جسدي الخصب، إلى شعرك ينبت فوق خدي، إلى أنفك يشم رائحة عرقي في المعارك، إلى لسانك يسيل لعابه على شفتيّ، إلى أناملك تغوص في أحشاء قلبي. تعال نرسم معا لوحة العُهر، و نقترفُ المجازر و الحماقات بحق بعضنا البعض، ونُشعلُ النار المقدسة في الأماكن المقدسة، و نغرق في الخمر حتى يسكر الفراش.”

وقفت أمامي مذهولة، كأنني الموتُ الحق. إتّسعَتْ عيناها و برقتا. ضَحِكتْ حتى بان البدرُ في وجهها ثم عَبَستْ. إرتبكتْ. بدتْ مضطربة كمدمن مخدرات وجد كومة من الأفيون بعد توبة نصوحة، مُحبطة كخروف عاقِلٍ في يوم عيد، حقيرة كعاهرة تتسوّل الجنس على الرصيف، عارية كما ولدتها أمّها.

إنبعثتْ رائحةٌ نتنة من مكان ما. قالت و قد بَلعتْ ريقَهَا: “هلُمّ إليّ. ما بك جاف كصحراء إفريقيا؟ هيا يا حبيبي إذبحني بيديك! تحرك!” سكتتْ هنيهة ثم بلعت ريقعها مرة ثانية فيما يُشبه الإختناق. ساد المكان صمتٌ عميق و توقّف الوقت بُرهة.

تَصَاعدَ دخانٌ أسود عطّر الجو برائحة الفحم و بدأ نور الغرفة يخفت. حاوَلَتْ أن تقترب منّي مجدّدا. راحتْ تلوّن نبرة صوتها و تُكثر من حركاتها كالحسون الذي ضاق به قفصه. ثم فجأة، تقاعصتْ واستسلمتْ. إنسحبتْ إلى الوراء وانكمشتْ على نفسها في زاوية الغرفة كقطعة لحم حقيرة تعالت على أكلها الكلاب الضالّة. شهقتْ و سال من عينيها سائل كالأسيد أذاب أحاسيسها المتعفّنة.

نظرتُ إليها و غبار الشهوة كاد يحجب عني الرؤية، لولا رأيتُ برهان ربّي. حوّلتُ وجهي إلى نافذة مفتوحة إلى يميني و أمعنتُ النظر في الشمس التي عانقت البحر، و الغيوم التي إحمرّ وجهها من شدة الخجل عندما غازلها قَمَرُ المساء. أخذتُ أحدّق في الأشجار العارية كيف راح الهواء يعربدُ بأوراقها المبدّدة على فراش من تراب. هنالك شعرتُ بالنشوة. إبتسمتُ مغمضا عينيّ، و ما هي إلا دقائق حتى فتحتُ عينيّ و نظرتُ إليها مجددا -كان الضباب الكثيف الأسود قد خَنَقَ الغرفة- فوجدتُها جثة هامِدَة مُتفَحِّمة. إنبَثَقتْ من أعماق ذاكرتي المبعثَرَة كلماتٌ تغلغلت ببطىء شديد في شرايين قلبي الذي ارتعش و تسارَعَتْ دقّاتهُ: يُوسُفُ، أيُّها الصِّدِّيقُ.