عبد الوهاب المسيري

يصادف اليوم ذكرى عام على رحيل د. عبد الوهاب المسيري. الناس يأتون و يذهبون و تبقى أفكارهم، و ما تركه المرحوم ليس بقليل كمّا و نوعا. و قد تسنّى لي قبل أن أغوص في كتاباته أن أطلع على مقابلة أجراها معه أحمد منصور العام الفائت ضمن برنامج “بلا حدود” على قناة الجزيرة [شاهد الحلقة]. و أحببت أن أشارككم بملخص عن الحلقة مع بعض التعليقات منّي و أخرى جمعتها من قراءاتي على الإنترنت.
لكي ينتصر الإنسان على عدوّه لابد أن يفهمه و يفهم لغته. و بما أن العبريّة لغة لا يتحدّثها معظم العرب، فإن الوسيلة الأكثر سهولة لفهم إسرائيل، كـ “دولة” و كـ “شعب” هي من خلال الآتي.

الصحف الإسرائيلية

كل المعلومات عن إسرائيل يمكن أخذها من الصحف الإسرائيلية الناطقة بالإنكليزية. لكن هل تعكس تلك الصحف الواقع الحقيقي لإسرائيل؟ نعم لأنها من أكثر الصحف حريّة في العالم، بمعنى أن هامش الحرية لها مُدهش للغاية، بالتالي فهي مصدر خصب للمعلومات.

و إن أكثر ما يُدهش القارئ العربي الذي تعوّد على قراءة الأخبار المبهّرة هو أن تنشر صحيفة إسرائيلية مقالات تتّهم فيها إسرائيل -وليس الحكومة (حتى لا يُفهم من هذا أنه خلاف سياسي)- أنها تسرق أجزاء كبيرة من الأراضي الفلسطينية. و قد فعلتها صحيفة هآرتز هنا و هنا و هنا و هنا و هنا و هنا إلخ..

المشكلات التي تواجهها إسرائيل

كثيرة: من أهمها (1) سقوط فكرة “الإجماع الصهيوني” التي تقوم على مبدأ يقول أن فلسطين أرض بلا شعب و أن اليهود هم شعب يحق له أن يحتل تلك الأرض. لكن الذي حدث منذ عام 67 أثبت أن فلسطين فيها شعب، بل فيها شعب متماسك و مقاوم، و أن اليهود لا يشكلون شعبا. لهذا ظلت غالبية اليهود في العالم خارج إسرائيل. و من هنا بات الصهاينة الآن يؤمنون بمبدأ حل الدولتين.

2- فشل أتون الصهر: كان هناك تصوّر صهيوني أن اليهود القادمون من الخارج يتم صهرهم في المجتمع الإسرائيلي. لكن هذا لم يحدث و سيتبيّن لكم السبب بعد قليل.

3- الإنقسام الديني العلماني الذي يزداد تطرفا وانقساما لدرجة أن بعض الحاخامات يقولون أن هناك يهوديّتان. العلمانيون لا يكترثون باليهودية، و لذلك يطرحون فكرة التهويد العلماني، لأنه يوجد في إسرائيل ما يقرب من نصف مليون مواطن لا علاقة لهم لا باليهود و لا باليهودية (عمال من أوروبا الشرقية و الإتحاد السوفياتي، و هؤلاء ليسوا من اليهود المؤمنين باليهودية، و إن منهم من المسيحيين ذوي الأصول اليهودية)

4- إشكالية تعريف اليهودي.

صبي أثيوبي من الفلاشة

5- مشكلة المادة الإستيطانية: إسرائيل دولة إستيطانية يجب أن تستمر في بناء المستوطنات لكي تضمن بقاءها، و عليها أن تستقبل المهاجرين بشكل مستمر لكي تظل آلة الحرب شغالة. لكن لا أحد يأتي من الولايات المتحدة و أوروبا لأسباب عديدة تسعى الحكومة الإسرائيلية إلى الوصول إلى حلول لها. و من هنا تستقبل إسرائيل عدد كبير ممّن يسمونهم “اليهود الفلاشة”، و كلمة “فلاشة” أو “Falasha” في اللغة العبريّة كما جاء في موقع ويكيبيديا هي عبارة إزدرائية يُشار بها إلى اليهود الذين هاجروا إلى إسرائيل، قادمين من إثيوبيا. و بما أن غالبيّة الفلاشة من المسيحيين و لأن هناك إشكالية حول تعريف اليهودي (كما ذكرت في النقطة السابقة) فإن اليهود باتوا ينظرون إلى الفلاشة بشكل عام بتلك النظرة الإزدرائية و يعتبرونهم غير يهود و يرون أنهم يشكلون تهديدا على الدولة. و يشكل الفلاشة أكثر من 130 ألفا من مجموع السكان في إسرائيل.

ما قضى على الممالك الصليبية هو توقّف تدفّق المهاجرين إليها، لأن الكتل الإستيطانية تحتاج دائما إلى هجرة تمدّها بالخبرة و رأس المال بالإضافة إلى المادة القتالية.

6- ظاهرة الهروب من الخدمة العسكرية و نفسيّة الجندي الإسرائيلي المنهزمة. رئيس أركان الجيس الإسرائيلي (غابي أشكينازي) قال حرفيّا في خطاب ألقاه عام 2008 في مقر سلاح الجو الإسرائيلي: “إن ظاهرة التهرّب من الخدمة العسكرية تنهش المجتمع و الجيش في إسرائيل.” الدولة الصهيونية أقنعت الشباب الإسرائيلي حتى عام 67 أنهم يدخلون في حرب ليست من اختيارهم (دفاع عن النفس) لكن بعد 76 اختلفت المسألة، لأن منحنى الإنتصار الإسرائيلي بعدها يتزايد (حرب الإستنزاف، حرب 67، إجتياح لبنان عام 82، الإنتفاضة الأولى، الإنسحاب من لبنان عام 2001، ثم الإنتفاضة الثانية، و حرب تموز 2006، و آخرها الحرب على غزّة). و من هنا أدرك الشباب الإسرائيلي أن إجتياح لبنان مثلا كان خيارا لم يفرضه على إسرائيل أحد. بالإضافة إلى ذلك، زادت في اسرائيل ثقافة اللذة، و هذه أثرّت على الشباب الإسرائيلي. و قد قرأت شخصيا في صحيفة هآرتز السنة الماضية مقالا ينتقد الإنحلال الأخلاقي للشباب الإسرائيلي  والتفافه حول الذات و تملّصه من الإهتمام بقضاياه و المثاليّات الصهيونية.

الهجرة من إسرائيل

المكتب المركزي للإحصاء في إسرائيل أصدر عام 2008 تقريرا قال فيه إن تدفّق اليهود المهاجرين على إسرائيل تراجع بشكل كبير للغاية، و أن إسرائيل تكثف محاولاتها لاستقطاب المهاجرين إليها. تقدّم إسرائيل 60 ألف دولار لكل مهاجر إليها بالإضافة إلى امتيازات إجتماعية. و هذا بحد ذاته أدى إلى مشاكل جديدة. فهناك اليهود القامون من روسيا و الذين يتمسّكون بروسيّتهم، هؤلاء يرفضون تعلّم العبريّة و يحافظون على عاداتهم.

قرار نزوح الناس من إسرائيل إلى الخارج كان غير مقبولا في الماضي، بينما الآن تجد إعلانات عن “مواطنين” يريدون بيع شققهم. نشرت صحيفة يدعوعوت أحرونون عام 2008 بمناسبة مرور 60 عاما على قيام إسرائيل تقريرا قالت فيه إن 52 بالمئة من الإسرائيليين لا يستبعدون الهجرة من إسرائيل، و أن 24 بالمئة بشعرون بفقدان الثقة بمستقبل إسرائيل و أن هذا يدفعم لمغادرتها، بينما 22 بالمئة راضون بالبقاء. و المثير للسخرية أن هؤلاء الراضون بالبقاء هم الفلاشة أنفسهم و باقي القوميات الذين جاءوا إلى إسرائيل للإنتفاع بما تقدّمه لهم الدولة و لم يأتوا بدافع إيمانهم بدولة إسرائيل. و طالما أنهم من المساكين و المهمّشين -بعكس اليهود ذوي الكفاءات- فإن أي دولة غربيّة (خاصة ألمانيا و الولايات المتحدة) لا تقبل أن تستقبلهم إذا فكّروا بالهجرة.

لا أمن لا بلد

وكالة الأنباء الفرنسية نشرت تقريرا عام 2008 قالت فيه إن نسبة الذين يشعرون بالأمن في المجتمع الإسرائيلي لا يزيدون عن 4 بالمئة من السكان. و هنا يجب الإعتراف بحقيقة واقعة، هذه الأرقام الواردة في الإحصائيات هي نتيجة المقاومة الفلسطينية و العربية التي كان لها إنجازات كبيرة خلال الأعوام الماضية.

دولة يهودية؟

إسرائيل قاعدة للإستعمار الغربي. جميع الديباجات و الشعارات و المثاليات الصهيونية -كـ “أرض الميعاد” و التفسيرات التوراتية- وظيفتها إضفاء الشرعيّة على هذا الفعل الإستعماري الهجمجي القاتل.

موضوع نهاية إسرائيل الذي بات حديث صحف كثيرة في الغرب مطروح قبل قيام الدولة، لأن الفكرة مستحيلة. قال دايفد بن غوريون – أول رئيس وزراء و مؤسس إسرائيل، قال إننا لسنا أمام عمليات إرهابية، بل أمام شعب يدافع عن حقوقه.

كيف يمكن الضغط على إسرائيل للتوقف عن انتهاكاتها؟

1- تفعيل مقاطعة إسرائيل.
2- الضغط على النخب الحاكمة لكي تدعم المقاومة أو الفكر المقاوم أيا كان شكله.
3-  تفعيل حركات المعارضة ضد الكيان الصهيوني.
4- الإهتمام بما يُكتب في الصحف الإسرائيلية التي تصدر باللغة الإنكليزية و معرفة شؤون إسرائيل (هآرتز مثلا)

– هذه التدوينة هي جزء من يوم التدوين عن د. عبد الوهاب المسيري.
– للمزيد عن المسيري.