حاولت أن أتجرّد من أفكاري وعقيدتي قبل أن أكتب مقالتي هذه. وأنا على علم بأن الموضوع حساس و قد تردّدت في كتابته لأن بعض الناس لا يقرأ ليناقش و يفهم وجهة النظر الأخرى، بل ليدافع بحماسة عمياء عن أفكار مكتسبة. لذلك لست أدعوا هنا لنقاش يكون فيه رابح و خاسر. ما يهمّني هو أن أتوصّل إلى تحليل عقلاني موضوعي لتاريخ الديانات والاختلافات فيما بينها. فما سأقول لا يعدو عن كونه تساؤلات ناتجة عن قراءاتي الكثيرة حول الديانتين المسيحية واليهودية، فبدونهما لا يمكن أن أفهم الإسلام فهما منطقيا. وأريد أن أكون واضحا من البداية: أنا أناقش “الأفكار”، وأحترم من أختلف معه في المعتقد. ما أكتله هو مجرد دعوة لطرق الأبواب و البحث في المواضيع التي يكتسبها الناس بشكل تلقيني قصري كل يوم دون التفكير في ماهيتها أو مدى صدقيتها أو معقوليتها. و حديثي عن المسيحية لا يعني أنني أقبل بكل ما هو سائد اليوم من أفكار و معتقدات تُنسب للإسلام.. ولكن لتلك مقالة خاصة بها.

المصادر: حاولت أن أتحرّى مصادر أجنبية حيادية وموثوقة وكتبا ومواقع يهودية أو مسيحية وغيرها لدعم الأفكار التي سأطرحها. ولكن سأكتفي في المقالة بوضع المراجع من موقع ويكيبيديا.

مقدّمة: هناك في الدين الكثير من المساحات الغامضة التي ينبني حولها الكثير من الجدل. و لولا وجود هذه المساحة الغامضة التي فتحت الباب للإنسان أن يجتهد في فهمه لها، لكان الدين أشبه بمعادلات رياضية لا يمكن النقاش فيها! تلك المساحات الغامضة تكون عادة في الجوانب الثانوية التي إن حدث اختلاف فيها لا يؤثّر على جوهر الدين أو العقيدة.

لكن ماذا لو كان الغموض في الجوهر؟ في الأساس؟ هذا ما اتضح لي حين بحثت عن سؤال بسيط: من هو السيد المسيح؟

لا هناك إجابة واضحة أو موحّدة حول طبيعة السيد المسيح. هل هو إله؟ أو إله + بشر؟ هل هو بشر فقط كما قالن طائفة من المسيحيين لم تعد موجودة يسمى أتابعها Ebionites أو الإبيونيين (كلمة مشتقة من “إبيونيم” و التي تعني بالعبريّة الفقراء) ؟ و مع اختلاف المعتقدات اختلفت الآناجيل في الترجمات و في النسخ. فقد أعلن مؤخرا عن إكتشافات لأناجيل جديدة كانت مطمورة تحت الأنقاض وتعود لقرون قديمة، حيث تتناقد مع الأناجيل الموجودة حاليا. منها مثلا إنجيل يهوذا (كشفت عنه محطة National Geographics التلفزيونية منذ مدة) والآخر هو إنجيل برنابا. الأول يبيّن أن يهوذا (أحد الحواريّين) لم يكن خائنا للمسيح كما تزعم الأناجيل المعتمدة حاليا، والثاني نظرُته قد تكاد تكون متطابقة تماما لنظرة الدين الإسلامي للمسيح. بأية حال، “جوجل” كفيل بتبيان كل تلك الفرضيات لمن أراد أن يبحث في الموضوع بشكل أعمق. (( المواقع العربية معظمها تعرض وجهة النظر الإسلامية، لذلك أنصح بالبحث باللغة الإنكليزية. ))

و بغض النظر عن طبيعة السيد المسيح، إن زبدة القول هو أن صُلب العقيدة المسيحية فيه الكثير من الجدل و الأخذ والرد. هذا باعتراف الدارسين للمسيحية.

فيما يلي الأناجيل المعتمدة منذ القدم وحتى اليوم لدى المسيحيين عامة: مُرقُس (Mark) و مَتّى (Matthew) و يوحنّا (John) و لوقا (Luke). هي مسمّاة بأسماء بشر كتبوا الأناجيل بأيديهم، و هذا متفق عليه، رغم أنّهم لم يكونوا جميعا من الحواريّين الذين رافقوا السيد المسيح في مسيرة حياته ((تستطيع أن تجد هنا قائمة بأسماء الحواريين لدى المسيحيين.)) . تلك هي النسخ المعتمدة إذن، و لكن هناك نسخا أخرى أقصيت منذ زمن بعيد لأنها -كما تزعم مصادر مسيحية كثيرة- كانت تتعارض مع المعتقدات الدينية السائدة آنذاك، ومنها ما ذكرتُه في الفقرة السابقة.

الأناجيل الأربعة التي إعتمدتها الكنيسة أطلق عليها إسم العهد الجديد (New Testament) وجميعها كُتبت بعد وفاة السيد المسيح كما جاء هنا. أما بخصوص ما ورد فيها، فهي سيرة السيد المسيح وتعاليمه و معجزاته وقصّة صلبه. كذلك يوجد فيها مواعظ للسيد المسيح (Parables) تتجلى فيها حكمته البالغة. لكن سواء كُتبت الأناجيل استنادا لأحداث شوهدت رأي العين، أو لنصوص نزلت من السماء، أو لأي شيء لآخر، فإن فيها اختلافات كثيرة. فالروايات والأحداث قد تختلف من إنجيل لآخر. و هناك نصوص بكاملها اعتبرتها طائفة البروتيستنت ليست من الإنجيل. في هذه الصفحة حديث كامل عن الموضوع.

أخيرا، إن النسخ الأصلية للأناجيل باللغة الآرامية أو الاغريقية مفقودة حتى يومنا هذا. متفق عليه.

والآن كيف أنا أقرأ المسيحية أو اليهودية من وجهة نظر الإسلام؟ سأعود إلى ما نصّه القرآن وما قرأته عن الأنبياء في التوراة و الإنجيل. كل الكتب السماويّة تُقرّ بأن الأنبياء أرسلهم الله لكي يدعوا أقوامهم لعبادة الله الواحد. و لم تذكر أي من تلك الكتب ((يسمّيه المسلمون التوراة. المسيحيون يؤمنون بالتوراة و يعتبرون الإنجيل مكمّلا لها.)) أن موسى قال لقومه أن الله له إبن. ولم يحدث ذلك في قصص باقي الأنبياء المذكورة في العهد القديم. ليس هناك نص صريح و واضح و مباشر في الكتب السماوية السابقة تقول على لسان الأنبياء الذين جاؤوا قبل السيد المسيح أن الله له ولد اسمه المسيح. هذه النقطة مفصليّة و يجب الوقوف عندها.

والآن آتي للسؤال الدسم: إذ كان المسيح إبن الله، ألا يعني ذلك أن المسيح كان إبن الله قبل أن يخلق الله البشرية؟ هل يُعقل أن المسيح وُلد بعد خلق البشرية؟

إن الغريب هو أن ليس هناك نبيّ واحد منذ أن خلق الله آدم يزعم بأن الله عنده ولد. و لم يُذكر ذلك على لسان أيّ منهم في التوراة. لقد قرأت العهد القديم و بحثت مكثفا على الانترنت في المصادر الاجنبية فلم أجد إشارة لهذه النقطة. المسيح في اليهودية ليس إبن الله، بل هو نبي كسائر أنبياء بني إسرائيل.

الخاتمة: لم أستدلّ على شيىء في تحقيقي سوى معلومات يعرفها كل من اطلع على تاريخ الديانات وقرأ العهد القديم (التوراة). الجدير ذكره أن أحاديث الناس ورجال الدين (كلهم في جميع الديانات) ليست مقدّسة بالنسبة لي. معظم المتديّنين يميلون وبشكل أعمى إلى تكرار كلام ورثوه عن آبائهم أو حفظوه من الكتب. وأنا (أحاول كثيرا) أن أرفض ذلك و أن لا أضع نفسي تحت تأثير الفكر الأحادي المُقَولب. وبناءا على ذلك سيكون باب التعليقات مفتوح على مصرعيه، مع الإشارة إلى أن الحماسة الزائدة في الدفاع أو التأييد للكلام الذي قلته في الأعلى لن تفيد بشيء، طالما أنه ليس هناك رابح و خاسر.

كل المحبّة لمن يخالفني الرأي.